قصر قارُون1

                                                         (ترجمها المؤلّف عن الفرنسيّة لتلاميذه في الصفّين السادس والسابع) 

   كان من يتسنّى له زيارة ذلك القصر الفخم يجد حيطانه جميعها من حجر العقيق، وسقفه مصنوعًا من النحاس الصقيل البرّاق كالذهب، وأسرّته وسائر أثاثه من الفضّة، وكلّ ما فيه مزيّنًا بالماس وغيره من الحجارة الثمينة، وكافّة الأشياء الخاصّة بخدمة الملك، كانت من الذهب.

   وكان الملك إذا ما أراد التنزّه في حدائقه، تفنّن البستانيّون في إظهار أجمل الزهور تحت قدميه؛ وكثيرًا ما كانوا يبدّلون مناظر الجنائن كما تبدّل مشاهد الممثّلين في المسارح، ليسرّوا سيّد القصر بمفاجآت لطيفة، فينقلون مثلًا الأشجار بأصولها مسرعين على عجلات وماكينات كبيرة، ويأتون بأشجار غيرها، حتّى إذا ما أفاق الملك في كلّ صباح، أبصر رياضه متبدّلة:

   فيومًا كان يرى شجرة الرمّان والزيتون والريحان والبرتقال وغابة من الليمون الحامض، وآخر تبدو أمام ناظريه، فجأة صحراء رمليّة يتخلّلها أشجار الصنوبر البرّيّ والسنديان الباسق والشوح الشاهق القديم كقدم الأرض، ومرّة تظهر الخمائل المزهرة، والمروج ذات الأعشاب الناظرة مزركشةً بالبنفسج تنساب فيها مسرعة جداول صغيرة، غُرست ضفافها بأغراس الصفصاف، الفتيّة الحديثة الاخضرار، والحور الشاهق البالغ الغيوم، والدردار الكثيف الأغصان، والزيزفون العابق بالرائحة، والمغروس غرسًا لا فنّ فيه ولا تنسيق، فيسرّ البصر بشذوذه عن نظام سائر أشجار الحدائق.

   وفي الغد كانت جميع هذه القنوات تختفي بغتةً، فلا يرى منها إلّا قناة متفرّعة من نهرٍ ذي مياه صافية شفّافة، واسم ذلك النهر "البَكْنُول" الجارية مياهه على الرمل الذهبيّ، تروح فيه الزوارق وتجيء، بحّارته يرتدون أثمن الملابس المطرّزة بخيوط الذهب، ومقاعد المجذّفين معمولة من العاج، والمجاذيف من الأبنوس ومقدّمات السفن من الفضّة، وحبالها من الحرير، وأشرعتها من الأرجوان، وهياكلها من أخشاب عطريّة كخشب الأرز، وكانت الحبال مزيّنة بالكشاكش الجميلة، والنواتيّون مكلّلين بأكاليل من الأزاهر.


1 - قارون: من أشهر ملوك آسيا الصغرى وأغنى رجال زمانه، حتّى كان ولم يزل مضرب المثل في الغنى، فيقال: فلان مثل قارون، ويملك مال قارون.